المتنبي | أبو الطيب المتنبي
المتنبي | أبو الطيب المتنبي
سيعلم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسنا *** بأنني خيرُ من تسعى به قدمُ
انا الذي نظر الأعمى الى أدبي *** وأسمعت كلماتي من به صمم
دائما ما نتسائل عن صاحب هذه الأبيات وأبياته الشعرية الأخرى التي رُددت على مر الزمان، لذلك سنتحدث عن صاحبها، ونقدم بحثاً عن المتنبي
بحث عن المتنبي.
هو أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي.
ولد في قبيلة كندا سنة (915-965) وهي قبيلة في العراق التابعة للكوفة، ولهذا نسب اليهم وليس لأنه منهم، أما الجعفي فهو نسبة الى قبيلة قحطان.
هو أحد شعراء الدولة العباسية ومن أعظم شعراء العرب على مر العصور ومنهم من يعتبره الأعظم على الاطلاق، وكان أكثرهم تمكناً في اللغة وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، ووُصف بأنه أعجوبة عصره ونادرة زمانه، كان سليط اللسان، محنكا، قوي اللهجة، شديد الذكاء منذ صغره، فنظم الشعر وعمره 9 سنوات.
نشأته.
كان والده يعمل سقىً ولا أحد يعرف أهله لأنه إنسان فقير ولم يكن له سند وعزوة وعائلة ذات سيط تدفع عنه ويعتز بنسبه لها ويتفاخر بها كما يعرف عند العرب بأن قوتك تستمد من نسبك، ولكن لسانه السليط الذي تميز به عن أقرانه سواء بالسلب او الايجاب هو ما كان يسنده بين الناس، فملك قدرة الكلمة التي ترفع وتقلل من شأن من يرميه بها، فجعله لسانه صاحب كبرياء وعزة وشجاعة وطموح.
شهدت الفترة التي نشأ فيها أبو الطيب تفكك الدولة العباسية، فقد كانت فترة نُضج حضاري وتصدع سياسي، فالخلافة انحسرت هيبتها وتعرضت الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الاسلامية، ظهرت في هذه الفترة عدة حركات دموية في العراق في هذا العالم المضطرب كانت نشأة أبا الطيب المتنبي، وعى بذكائه الفطري حقيقة ما يدور حوله، كان شغوفا في القراءة والحفظ مما أثمر عن عبقريته في الشعر العربي وجعله مصدر الهام للشعراء والأدباء حتى عصرنا هذا، فهو أحد مفاخر الأدب العربي.
حياته.
بدأ ابو الطيب المتنبي حياته مقبلا بنهم على التعليم حيث تعلم أصول اللغة في السماوة (مدينة عراقية تقع في الجنوب على ضفاف نهر الفرات).
فسبب تسميته بالمتنبي يعود الى روايتين مختلفتين، أولاهما أنه سمي بالمتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه كثيرون، ما أثار غضب محمد بن طغج الإخشيدي فسَيَّرَ إليه أمير حمص ونائبه وقام بسجنه، وبعد أن طال سجنه نظم قصيدة وأرسلها الى الإخشيدي يطلب عفوه بها ويعلمه بأنه تاب عن فعلته، ومن أبياتها:
رَمَى حَلَباً بِنَواصِي الخُيُولِ *** وسُمْرٍ يُرِقْنَ دَماً في الصّعيدِ
وبِيضٍ مُسافِرَةٍ ما يُقِمـنَ *** لا في الرّقابِ ولا في الغُمُودِ
يَقُدْنَ الفَنَاءَ غَداةَ اللّقاءِ ***إلى كلّ جيشٍ كَثيرِ العَديدِ
فَوَلّى بأشياعِهِ الخَرْشَنيُّ *** كَشاءٍ أحَسّ بِزَأرِ الأسُودِ
يَرَوْنَ مِنَ الذّعر صَوْتَ الرّياحِ *** صَهيلَ الجِيادِ وخَفْقَ البُنُودِ
فَمَنْ كالأميرِ ابنِ بنْتِ الأميـرِ *** أوْ مَنْ كآبائِهِ والجُدُودِ
سَعَوْا للمَعالي وَهُمْ صبْيَةٌ *** وسادوا وجادوا وهُمْ في المُهودِ
وصحة ادعاءه النبوة غير متفق عليها ولكن عباس العقاد يقول: ليست ببعيدة عنه فقد كان شخص نرجسيا.
أما الرواية الأخرى كما قال ابو العلاء المعري مدافعا عنه بأن المتنبي من النبوة أي (علو المكانة) وليست من النبوءة أي أن المتنبي إرتقى مرتقىً عالٍ في الشعر.
ومن ثم التقى ابو الطيب بشخص يدعى أبي العشائر وكان واليا لأنطاكيا عند سيف الدولة الحمداني فأخذه ابو العشائر الى سيف الدولة وعرفه عليه وحصل بينهما إنسجام كبير، فقد كان سيف الدولة عربيا من تغلب وكان حاكما لحلب أما المتنبي فعربي وشاعر، فاستخدمه سيف الدولة لتوثيق معاركه وأمجاده في القصائد، وكان يُغدق عليه بالمال وعلمه الفروسية ليكون محدثا ورفيقا له في الحروب، ومن شدة حب سيف الدولة للمتنبي كثرُ حُساده من أكابر القوم ورفضه الدائم لمدحهم زاد من كرههم له، فلم يرض بمدح أحد الا الملوك او الأمراء الذين يحملون سِمةَ الملوك.
وكتب المتنبي ديوانا سماه سيفيات المتنبي مما زاد حب سيف الدولة له فاستطاع بمكره وطموحه أن يرفع قدره عند سيف الدولة.
خيبة الأمل وكسرة النفس.
أصبح أكابرة القوم يتصيدون له خصوصا في الشعر، ذات مرة كان يجلس عند وزيرٍ يُدعى ابن الفرات وكان عنده مجموعة من الشعراء وكبار القوم وكان أحد الجالسين ابو علي الأمدي فسأل الوزير أبا الطيب أتعرف ابا علي الأمدي؟ فقال المتنبي: لا أعرفه فانزعج الأمدي منه لأن الجميع يعرفه، فوقف المتنبي ليقول الشعر فقال:
إنما التهنئات للأكفاء *** ولمن يدني من البعداء
فقال الأمدي: كيف تجمع التهنئات وهي مصدر والمصدر لا يجمع، فنظر المتنبي للوزير وقال: هل هو مسلم؟ فأجابه نعم ما بك فقال المتنبي: الا يصلي؟ الا يقرأ في الصلاة التحيات لله؟ والتحيات جمع تحية والتهنئات جمع تهنئة، فأحرج الأمدي واستشاط غضبا.
ذات مرة كان المتنبي جالسا في حضرة سيف الدولة هو وابن خالويه فبدأ ابن خالويه يزعج المتنبي بكلامه ولكنه رد عليه بكلام بشع وأثبت ضعفه في اللغة وقال له كيف تقرأ القرآن وأنت بهذا السوء في اللغة ووصفه بالفارسي فرماه ابن خالويه بدواة الحبر في بلاط سيف الدولة، ثم نظر الى سيف الدولة ولم ينتصف له سيف الدولة ولم يثأر له الأمير، فأحس بجرح لكرامته فقال قصيدته المشهورة في سيف الدولة من شدة حزنه التي تحدث في بدايتها عن محبوبته خولة أخت سيف الدولة واسمها وأحر قلباه.
وأحر قلباه
وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ
إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ
فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ
عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ
رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ
الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ
يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُ مْوِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ
مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ
إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ
وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ
لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ
إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ
بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ
هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ
إنتقل المتنبي بعد هذه القصيدة الى الدولة الإخشيدية في مصر وقد كان محمد الإخشيدي قد تُوفي وولده كان صغيرا على الحكم وكان عنده عبد حبشي اسمه كافور وكان وصيا على ولده لذلك تولى الحكم وكان رابع حكام الدولة الإخشيدية في مصر والشام، وكان سياسيا محنكا وله الكثير من الأفعال الطيبة.
ذهب المتنبي الى كافور وأكثر في مدحه وأقام في مصر ردحاً من الزمن يرقب الفرصة من كافور فيصعد المجد على كاهله، لكن كافور لم يملك كرم العرب فلم يُغدق على المتنبي كما فعل غيره من الحكام، فعانى المتنبي من الإملاق والخَورِ في هذه الفترة.
ذات يوم أصاب زلزالٌ مصر فقال المتنبي لكافور:
ما زلزلت مصر من كيد ألم بها *** لكنها رقصت من عدلكم طربا
ومن الأبيات التي مدح فيها المتنبي كافور
أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ
وَهَـبْتَ على مِـقدارِ كَـفّيْ زَمَانِنَا وَنَفسِي على مِقدارِ كَفّيكَ تطلُبُ
إذا لم تَنُـطْ بي ضَـيْعَةً أوْ وِلايَةً فَجُودُكَ يَكسُوني وَشُغلُكَ يسلبُ
يُـضاحِـكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ حِذائي وَأبكي مَنْ أُحِبّ وَأنْدُبُ
أحِنُّ إلـى أهْـلي وَأهْوَى لِـقَاءَهُمْ وَأينَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ
فإنْ لم يكُنْ إلاّ أبُوالمِسكِ أوْ هُمُ فإنّكَ أحلى في فُؤادي وَأعْذَبُ
وكلُّ امـرىءٍ يـولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ وَكُلُّ مَكانٍ يُنْبِتُ العِزَّ طَيّبُ
يُريـدُ بـكَ الحُـسّـادُ ما الله دافِعٌ وَسُمْرُ العَوَالي وَالحَديدُ المُذرَّبُ
وَدونَ الذي يَبْغُونَ ما لوْ تخَلّصُوا إلى المَوْتِ منه عشتَ وَالطّفلُ أشيبُ
إذا طَلَبوا جَدواكَ أُعطوا وَحُكِّموا وَإن طلَبوا الفضْلَ الذي فيك خُيِّبوا
وَلَوْ جازَ أن يحوُوا عُـلاكَ وَهَبْتَهَا وَلكِنْ منَ الأشياءِ ما ليسَ يوهَبُ
وَأظلَمُ أهلِ الظّلمِ مَن باتَ حاسِداً لمَنْ بَاتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ
وَأنتَ الذي رَبّيْتَ ذا المُلْكِ مُرْضَعاً وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سِواكَ وَلا أبُ
وَكنتَ لَهُ لَيْـثَ العَـرِينِ لشِـبْلِـهِ وَمَا لكَ إلاّ الهِنْدُوَانيّ مِخْلَبُ
لَقِيـتَ القَنَا عَـنْهُ بنَفْسٍ كريمَـةٍ إلى الموْتِ في الهَيجا من العارِ تهرُبُ
وَقد يترُكُ النّفـسَ التي لا تَهابُهُ وَيَخْتَرِمُ النّفسَ التي تَتَهَيّبُ
وَمَا عَـدِمَ اللاقُـوكَ بَأسـاً وَشِـدّةً وَلَكِنّ مَنْ لاقَوْا أشَدُّ وَأنجَبُ
ثنَأهم وَبَرْقُ البِيضِ في البَيض صَادقٌ عليهم وَبَرْقُ البَيض في البِيض خُلَّبُ
سَلَـلْـتَ سُيـوفاً عَلّمـتْ كلَّ خاطِـبٍ على كلّ عُودٍ كيفَ يدعو وَيخطُبُ
ذات مرة دخل المتنبي على كافور وطلب منه ولايةً ليحكُمها فرفض طلبه.
غادر المتنبي مصر وقد هجا كافور في أحد قصائده قائلا:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه *** إن العبيد لأنجاس مناكيد
لم يكن سيف الدولة وكافور هما اللذان مدحهما المتنبي فقط، فقد قصد أمراء بلاد الشام والعراق وفارس، وبعد عودته الى الكوفة زار بلاد فارس، وقد مدح حكامها ولم يَطِب له العيش فيها لقلة المكافآت التي يجنيها، وقرر العودة الى بغداد.
شعره.
برع المتنبي في أنواع الشعر كافةً ومنها.
الوصف.
وأجاد المتنبي وصف المعارك والحروب البارزة التي دارت في عصره وفي حضرة سيف الدولة وقال:
مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ
وَلَكِنّ الفَتى العَرَبيّ فِيهَا غَرِيبُ الوَجْهِ وَاليَدِ وَاللّسَانِ
مَلاعِبُ جِنّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا سُلَيْمَانٌ لَسَارَ بتَرْجُمَانِ
طَبَتْ فُرْسَانَنَا وَالخَيلَ حتى خَشِيتُ وَإنْ كَرُمنَ من الحِرَانِ
غَدَوْنَا تَنْفُضُ الأغْصَانُ فيهَا على أعْرافِهَا مِثْلَ الجُمَانِ
فسِرْتُ وَقَدْ حَجَبنَ الحَرّ عني وَجِئْنَ منَ الضّيَاءِ بمَا كَفَاني
وَألْقَى الشّرْقُ مِنْهَا في ثِيَابي دَنَانِيراً تَفِرّ مِنَ البَنَانِ
لها ثمر تشـير إليك منـه بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوان
وأمواهٌ يصِلُّ بها حصاهـا صليل الحَلى في أيدي الغواني
إذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها أجابتـه أغـانيُّ القيـان
الهجاء.
لم يكثر المتنبي من الهجاء وكان في هجاءه حِكَمٌ على شاكلةِ قواعدَ عامة.
ومن أبياته:
لساني بنطقي صامت عنه عادل وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازل
وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل
الحكمة.
اشتهر المتنبي بالحكمة، فكانت أبياته أمثالا عظيمة ومنها
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ
وفاته.
كان المتنبي قد هجا ضبة بن يزيد الأسدي العيني بقصيدة شنيعة الألفاظ طعن فيها بشرفه، وعندما كان عائداً الى الكوفة، لقيه فاتك بن أبي جهل الأسدي وهو خال ضبة، وكان في جماعةٍ فحاول المتنبي الهرب فقال له غلامه أتهرب وأنت من قال
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال له المتنبي قتلك الله قتلتني بها.
ليست هناك تعليقات